حكومة الإنقاذ هى من أعظم الحكومات يا أ. عسكوري ـ لواء عبد الهادى عبد الباسط
أخى الكريم عسكورى إن واحدةً من أكبر مشاكلنا فى السودان أن معظم السياسيين يعتقدون فى أنفسهم أنهم وحدهم هم رمز الحكمة ورمز العلا وهم وحدهم رايات الحق المطلق الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبالتالى يطلقون العنان لأنفسهم فى تقيبم الآخرين وتقييم تجاربهم دون أن يقيم الواحد منهم نفسه ودون أن يقيم تجاربه الشخصية وبالتالى دون أن يقيم مدى إلتزامه هو ذات نفسه بما يكتب وبما ينتقد وبما يعيب به الآخرين وبما يذم به تجاربهم دون أن يتدبر الآية (وفى أنفسكم أفلا تبصرون) ..
الأستاذ عسكورى قال إن الإنقاذ دمرت الخدمة المدنية وفصلت مئات الآلاف من الموظفين واستبدلتهم تمكينا بأهل الولاء ، وقد كان الأستاذ الجاكومى قد سبقه فى هذه الفرية ذاكرا بالتحديد أن الإنقاذ فصلت أكثر من (700 الف) موظفا وعاملا من الخدمة المدنية واستبدلتهم بأهل الولاء ، وهذه فرية ظل يرددها معارضى الإنقاذ حتى صدقها بعض الناس وأصبح بعض السياسيين يستخدمونها تجارةً وسمسرةً من أجل التكسب ..
الأستاذ عسكورى الذى يكتب الآن ظنا فى نفسه أنه ينثر المنطق ويوطد للحكمة لا ينظر إلى (عوجة رقبتو) ولا ينظر إلى عسكورى الذى دخل السياسة من باب غضبة قبائلية لم تكن لله والوطن ، دخل السياسة من (باب الغضب) معارضةً لقيام سد مروى دفعته هذه (الغضبة الفكرية) للإنضمام للحركة الشعبية لتحرير السودان بغرض الضغط على الحكومة وربما بغرض السعى لإنشاء مقاومة مسلحة .. تحرير السودان وهو يعلم تحرير السودان (من ماذا) كما يقول المنفستو الداخلى للحركة (شفتو المبدئية ورجاحة العقل هذه) ، ولذلك بغض النظر عن بعض الأخطاء وربما بعض الإستفزازات الخاطئة التى صاحبت معالجة أوضاع بعض المتأثربن بسد مروى إلا أن كل ذلك لا ينفى أن سد مروى مشروع قومى معارضته بتلك الطريقة الغاضبة لدرجة الإنضمام إلى حركة متمردة تحمل السلاح ضد الدولة هى قرينة توضح سطحية وقصر نظر السياسيين السودانيين .. من الناحية العملية بعد سقوط الإنقاذ وخلال فوضى الحكومة الإنتقالية وفوضى لجنة التمكين ، التى طاحت فى الخدمة فصلا وتشريدا بمجرد (الإشتباه) فى الإنتماء السياسى وفق تصنيف من لجان فاسدة حاقدة ومرتشية داخل المؤسسات العامة والتى طالت عشرات الأبرياء لم يسلم منها الخفراء والمراسلات وبعض الفراشات ..
كان عسكورى طربا فخورا فكها بتلك المذابح ولم يكتب يومها سطرا ينتقد تلك المذابح على الأقل من باب لا تنهى عن خلق وتأتي بمثله .. بل إن الأستاذ عسكورى الناصح الأمين الذى يكتب الآن عن عدم تسييس الخدمة ومعارضة التعيينات السياسة فيها كان قد تولى وظيفة قيادية فى وزارة المالية بقرار من وزير المالية تسنم تلك الوظيفة طربا وجزلا مما يشير إلى أن كثير من الأقوال لا تصدقها الأفعال .. وأنا حينما أعلق بهذا الرد لا أقصد منافحة من أجل السياسة ولا أقصد الدفاع عن تجربة حكم الإنقاذ فإن لى في إنتقادها وهى فى عز عظمتها وقوتها صوتا عاليا وسهما وافرا (صورة وصوت) وأنا يومها أحمل رتبة عظيمة على كتفى لم تمنعنى من المناصحة وقول الحق وحتى سد مروى نحن عارضنا الطريقة الإستفزازية التى عومل بها بعض أهلنا المناصير ،، إلا أن كل ذلك لا يمنعنا من قول الحق لأن الحق أبلج ، ولذلك أقول هذا الكلام حتى يتحرى السياسيون العدل والصدق ومعايير العلم فى تقييمهم للآخرين دون شنآن ، وما أصابنا ما أصابنا إلا بسبب إجرامنا وعدم عدلنا وظلمنا للآخرين (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى) ، فأنا أمتلئ غيظا حينما يردد السياسيون الحقائق المغلوطة والمعلومات المفبركة وينشطون فى ترويجها كأنها حقائق مسلمة ،، ومنها قضية فصل مئات الآلاف المزعومة التى تتهم بها الإنقاذ زورا وبهتانا ،، وهل الخدمة المدنية قبل الإنقاذ كان فيها (مئات الآلاف !!) ،، وسأبين إن كانت آلاف للتدليل مستدلا ببعض النماذج .. من المعلوم أن أكبر الفئات عددا فى الخدمة المدنية هم فئة المعلمين .. قبل الإنقاذ كانت عدد المدارس الإبتدائية 1350 مدرسة ،، المدارس المتوسطة 290 مدرسة ،، المدراس الثانوية 160مدرسة ،، ، 5 جامعات ،، لو إعتبرنا وفق تقديرات شاطحة أن متوسط المعلمين فى كل مدرسة (20 ) أستاذ على مستوى السودان يكون إجمالى المعلمين فى حدود (36000) معلم وهم يشكلون حوالى (60%) من الخدمة المدنية وبذلك يصبح كل حجم الخدمة المدنية عندما تسلمت الإنقاذ السلطة فى حدود أعداد لا تتجاوز ال (100 الف) ، وهذا ما دفع أحد رؤساء الوزراء السابقين للتعليق لى على إتهام الإنقاذ بفصل (700الف) علق لى قائلا :: إن الذين يتحدثون عن هذا الرقم يكون قاصدين السودان وأفريقيا جنوب الصحراء ، بعد الإنقاذ وبعد ثورة التعليم إرتفت المدارس الإبتدائية إلى (18 الف) مدرسة ،، المدارس الثانوية إرتفعت إلى (4 الف) مدرسة ، الجامعات إرتفعت إلى 39 جامعة حكومية و 116 جامعة خاصة .. وقطعا هذا السيل من المؤسسات التعليمية يقابله سيل آخر فى أعداد المعلمين المستوعبين ، وبذات المقارنة وبذات المتوسط (20) أستاذ نحسب لنرى كم إرتفع عدد المعلمين حيث ارتفع العدد من (36 الف) إلى (440 الف) على مستوى التعليم العام دون التعليم العالى 155 جامعة وكلية جامعية هذه كلها وظائف وفرتها الإنقاذ شقية الحال للشعب السودانى (ولا برضو ديل كيزان) ، أمام هذا السيل الجارف من آلاف الوظائف التى وفرتها الإنقاذ فى حقل التعليم أنا أسأل الأستاذ عسكورى أن يذهب ويبحث صدقا وعدلا عن عدد الوظائف التى تم فصلها فى حقل التعليم من قبل الإنقاذ فوالله إن بلغ (500) وظيفة سنتجتهد فى ترشيحه لجائزة منظمة الشفافية العالمية .. هذا نموذج صغير للمقارنة أما إذا أراد الاستاذ عسكورى أن يصاب بالدوار وطمام البطن من (أفعال الكيزان الذين دمروا الخدمة المدنية) فاليذهب إلى النماذج والقطاعات المستحدثة فى الخدمة المدنية وهى المجالات التى لم تكن موجودة قبل الإنقاذ وتم إستحداثها وبالتالى هى تشكل وظائف جديدة نثرت على الشعب السودانى نثرا دون منٍ أو أذىً ، وهى كثيرة جدا ولكننى سأركز على بعضها فقط وهى قطاعات البترول المختلفة ، قطاعات الإتصالات ،، قطاعات الصناعات الدفاعية ، قطاعات الصناعات الثقيلة ، قطاعات الصناعات الدوائية ، هذا القطاعات وفرت (ملايين) الوظائف لأبناء الشعب السودانى يتغافل عنها الأستاذ عسكورى و(ماسك ليهو فى قربة مقدودة) ..
صحيح الإنقاذ عندما تسلمت السلطة فصلت بعض الموظفين من ذوى الوظائف القيادية العليا فى الخدمة المدنية وهى وظائف مهمة وحساسة ومؤثرة فى تنفيذ خطط وبرامج الدولة وتتطلب الضرورة وجود موظفين مؤمنين ومؤتمنين على مبادئ الثورة أو مبادئ الحزب الذى يتسنم السلطة وهذا عرف يمارس حتى فى الأنظمة الديمقراطية وهى وظائف محدودة جدا تتمثل فى قيادات الخدمة المدنية من وكلاء الوزارات ونوابهم وبعض الوظائف الأخرى المحدودة وهذه نفسها أنا أجزم لم يتم الفصل فيها إلا لمن ثبت ان الإبقاء عليه سيعوق الأداء ، وقد تم الإبقاء على كل من لم يكن معارضا أو معوقا فى أداء وظيفته وفق الأهداف والخطط ،، أما على مستوى الوظائف الدنيا والوسيطة تحاشت الإنقاذ بصورة كبيرة أى عمليات فصل إلا لضرورات قصوى أو لضرورات إقتضتها خصخصة بعض المؤسسات الحكومية الخاسرة ،، ولذلك وبذلك أخى عسكورى تصبح قضية أن هناك مجازر تمت فى الخدمة المدنية من أجل التمكين هى مجرد فرية كذوبة ودعاية محبوكة ظل يرددها المعارضين دون دليل ودون بينات تقيم الحجة ،، وكل من يقرأ هذا المقال بمن فيهم الاستاذ عسكورى فاليراجعوا سجل أصدقاءهم ومعارفهم وأهلهم وجيرانهم من غير الكيزان الذى ظلوا يعملون فى وظائفهم فى الخدمة العامة آمنين دون أى تصنيف سلبى أو منقصات ، أو فاليراجعوا الذين إستوعبتهم الإنقاذ فى ملايين الوظائف الجديدة التى وفرتها الإنقاذ ولم تكون موجودة قبلها .. ولذلك أخى عسكورى حتى تعلم حجم الطفرة التى أحدثتها حكومة الإنقاذ فى السودان وفى الخدمة المدنية وفى الدخل القومى أنا أحيلك للمقارنة بين أول ميزانية تسلمتها حكومة الإنقاذ عام 1989 (أذكرها بالعملة الحرة) لتسهيل المقارنة فقد كان حجمها لا يتجاوز ال (600) مليون دولار وبين آخر ميزانية تركتها حكومة الإنقاذ عام 2019 كان حجمها فى حدود (15) مليار دولار والفرق بين الرقمين هى حجم الطفرة الهائلة التى لم يستوعبها السياسين الغارقين فى الحسد والحقد الشخصى تلك الطفرة التى أذهلت أعداء السودان الدوليين والإقليمين وجعلتهم يوجهون كل سهامهم نحو السودان لتعويق مسيرته وعرقلة تطوره خوفا من إنطلاقه ،، والمؤسف أن بعض السياسين سماعون لهم ، هذه الطفرة التى خرجت بالسودان من رجل إفريقيا المريض إلى (رابع إقتصاد فى إفريقيا) وهى ذات العبارة التى فلتت من لسان الأهبل حمدوك يوم تسلم منصبه ..
ولذلك أخى عسكورى رضيت أو لم ترضى فأن حكومة الإنقاذ هى من أعظم الحكومات التى مرت على السودان منذ عهد بعانخى إلى يومكم هذا ، وكما قال المسيح من كان منكم بلا خطيئةً فاليرمها بحجر ، وما تركزوا كثير فى الأخطاء لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث (الصحابى الجليل بن اللتبية) جابيا للزكاة يعنى (قيادى آقتصادى) لجمع الزكاة ، أحضر الزكاة ووضعها (كومين) وقال هذا لكم وهذا لى ، لتكشف هذه الحادثة أن كل البشر خطائين حتى من بعض منسوبى العصر النبوي من كرام الصحابة ،، ورغم هذه الحادثة وغيرها كثير وفى ذات العهد ، لم تمنع الحادثة من وصف وتصنيف ذلك العصر بأنه خير القرون وهو ذات العصر وفى أعظم لحظات إنتصاره يوم بدر تخاشن الصحابة فى قسمة وتوزيع الغنائم حتى خاطبهم القرآن معاتبا (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) وفى تفسير هذه الآية قال عبد الله بن عباس رضى الله عنهما :: (نزلت فينا نحن أهل بدر حينما إختلفنا وساءت أخلاقنا) ، ديل الصحابة يا أستاذ عسكورى وإنت داير ناس الإنقاذ يصبحوا ملائكة حتى تثبت لهم الحق .. إن من حسنات سقوط الإنقاذ أنها بينت للشعب السودانى الفارق الكبير بين الحكم والحكم وبين الرجال والرجال ولذلك لم تعد تلك المرثيات التى تنهش فى جسم الإنقاذ لم تعد تطرب الشعب السودانى فقد وعى الدرس تماما لأنه دفع الثمن غاليا حينما أرخى آذانه إلى السياسين الذين يتكسبون بلحن القول ، وقطاعات واسعة من الشعب السودانى تقولها سرا وعلنا ليت ما حدث يوم 11 أبريل 2019 لم يحدث ولكن أقدار الله غالبة وحكمته بالغة ..
// لواء عبد الهادى عبد الباسط