المقالات

إزالة “تحرير الشام” من قائمة الإرهاب: ابتزاز أم تغيير قواعد اللعبة؟ ـ يونس الديدي

في عالمٍ تُعاد فيه صياغة القواعد وتبدّل فيه التحالفات، يشهد العالم خطوة مثيرة للجدل: الحديث عن إزالة اسم “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب. ليس الأمر بحد ذاته محور النقاش، بل ما يعكسه من تحولات في السياسة الدولية التي أصبحت ساحة للابتزاز تحت شعار: “أنت معي أو ضدي”.

أصبح واضحًا أن القوائم والتصنيفات أداة قديمة في عالمٍ جديد.. ما كان يصلح لابتزاز الشعوب في العقود الماضية لم يعد يجدي نفعًا اليوم، فالعالم يشهد تحولًا في موازين القوى، حيث تسعى دولٌ مثل الصين وروسيا وبعض الدول الإقليمية إلى إعادة تشكيل النظام العالمي

التصنيف كأداة للابتزاز

لطالما كانت قوائم الإرهاب أداةً بيد القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ تُستخدم هذه القوائم ليس فقط لتصنيف الجماعات بناءً على أيديولوجياتها أو أفعالها، بل كوسيلة ضغط لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية.. بمعنى أدق، التصنيف ليس حكمًا نهائيًّا، بل ورقة تفاوض تُسحب أو تُفعَّل بحسب الحاجة.

عندما تُصنف جماعة ما على أنها إرهابية، يُغلق أمامها كل أفق سياسي، ويُمنع عنها التمويل والدعم. لكن، ماذا يعني إزالة التصنيف؟ إنه ببساطة “دعوة مشروطة” للعودة إلى الحظيرة الدولية وفق قواعد الطرف الأقوى. في الوقت ذاته، يُمارَس إرهاب الدولة بشكل يومي في غزة على يد إسرائيل، التي لا تُدرَج على قوائم الإرهاب رغم انتهاكاتها الواضحة للقوانين الدولية والإنسانية.
مجتمع دولي منقسم

هذه الخطوة تكشف التناقض الواضح لدى ما يسمى “المجتمع الدولي”.. المجتمع الدولي الذي نُصدِّق بوجوده يظل مصطلحًا هلاميًّا لا تعريف واضحًا له سوى أنه الهيكل الذي تُديره الولايات المتحدة وحلفاؤها لتحقيق مصالحهم. لكن هذا “المجتمع الدولي” اليوم فقد كثيرًا من هيمنته بفعل صعود قوى جديدة وتعددية قطبية متزايدة، ما يعني أن زمن الهيمنة الأحادية يقترب من نهايته.
إعلان

أصبح واضحًا أن القوائم والتصنيفات أداة قديمة في عالمٍ جديد.. ما كان يصلح لابتزاز الشعوب في العقود الماضية لم يعد يجدي نفعًا اليوم، فالعالم يشهد تحولًا في موازين القوى، حيث تسعى دولٌ مثل الصين وروسيا وبعض الدول الإقليمية إلى إعادة تشكيل النظام العالمي، مع منح صوت أكبر للشعوب والحركات التي كانت مغيّبة ومُصنفة.
الإرهاب: المفهوم المُنتقى

أليس غريبًا أن تكون إزالة “هيئة تحرير الشام” من قائمة الإرهاب مطروحة للنقاش، بينما يتم التغاضي عن إرهاب آخر أكثر وضوحًا؟ ماذا عن إرهاب الدولة الممنهج في فلسطين، وعن استفزازات إسرائيل على الحدود السورية؟ أم إن “الإرهاب” مصطلح يخضع للتسييس بحيث يتم توظيفه بحسب مصالح القوى الكبرى؟

الغرب صنع وهمًا كبيرًا عبر هذه التصنيفات؛ تحت شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية تُمارَس أشكال جديدة من الاستعمار الفكري والسياسي

التصنيف: مرحبًا بكم في الوهم!

أن تُزال جماعة من قائمة الإرهاب لا يعني قبولًا مطلقًا لها، بل يعني أن مصالح الدول التي تُصنّف قد تغيّرت. إنه نوع من “العفو المبتزّ”.. إما أن تقبلوا بالشروط الدولية وتكونوا جزءًا من اللعبة السياسية، أو تعودوا إلى التصنيف وتتحملوا التبعات. لكن السؤال الأهم هنا: أي مجتمع دولي هذا الذي نُرغم على الانضمام إليه؟ مجتمع يرى حرية الشعوب تهديدًا، ويصمت على الجرائم الكبرى إذا ما صدرت عن حلفائه؟
كشف النفاق الدولي

الغرب صنع وهمًا كبيرًا عبر هذه التصنيفات؛ تحت شعارات حقوق الإنسان والديمقراطية تُمارَس أشكال جديدة من الاستعمار الفكري والسياسي. لكن السؤال الذي يجب أن نطرحه جميعًا: من أعطاهم الحق ليصنفوا الشعوب؟ ومن خولهم ليحددوا من هو المقبول ومن هو المرفوض في هذا العالم؟

إنه زمن التغيير، وعهد التصنيفات بدأ ينتهي، لأن الشعوب الحرة تدرك أن قوتها الحقيقية تكمن في تحررها من تلك التصنيفات التي لا تهدف إلا إلى إخضاعها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى